الأحد، 27 مارس 2022

السبت، 1 فبراير 2020


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام: رؤية تأصيلية
ورقة من إعداد:
دكتور محمد عبدالله عيساوي
توطئة
السلام امنية غالبة ورغبة اكيدة تتطلع اليها البشرية في تلهف وشوق، ولا يدرك قيمة السلم الحقيقية الا من عاش الحرب واصطلى بنارها، وراى وسائل الدمار والخراب، وهي تنشر الرعب بين الابرياء، وتهدم المنشآت وتهلك الحرث والنسل.
السلام في الاسلام: مفاهيم وتعريفات
اعتاد الناس حين يكتبون عن الفقه المتعلق بالعلاقة مع الغير في حالتي السلم والحرب أن يقولوا فقه الحرب والسلام، بتقديم الحرب على السلام، والضبط الشرعي أن يقدم السلم على الحرب، ذلك أن حكمة الاسلام في هذا الأمر قائمة علي تقديم السلام على الحرب، لأن السلام أصل، والحرب استثناء، والسلام أمر كلي، والحرب فرع جزئي، والسلام حياة، والحرب موت.
ودبن الاسلام الذي بنشد السلام ويؤمن به ويحض عليه وينادي بتعميمه، لا يؤمن ايمان من يتحدث عنه وبردده للتمويه وذرالرماد في الاعين، بل هوعنده عنوان وشعار يردده المسلمون في العبادة وفي التحية وفي كل آن وفي كل مكان.
وجاءت شريعة الاسلام عدلاً وسطاً في قضية السلام والحرب، جامعة بين الأمرين، بأحسن تشريع، وأشرف بيان، فجعلت السلام أصل المعاملة بين المسلمين وغيرهم، وجعلت الحرب صدّاً للعدوان وحفظا للأديان والأبدان والأنساب والأموال، ويدل علي ذلك عدة أمور:
  • أعظمها أن الدين هو الاسلام، وبينه وبين السلام جذر واحد من حيث اللغة والمعنى، بل إن الله عبر في القرآن عن الإسلام بالسلم فقال تعالى:(ياأيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة...البقرة 208)
  • وسمى سبيله اي دينه سبل السلام، فقال تعالي:(يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام...المائدة 16).
  • كما أن الله تعالى جل في علاه تسمى باسم السلام، كما في قوله تعالى:( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن ...الحشر:23).
  • وقد ورد في السنة:(اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام
  • وسمي الله تعالى دار خلوده وجنته التي أعدها لعباده الصالحين، بدار السلام، فقال تعالى:(لهم دار السلام عند ربهم...الأنعام:127)، وقوله:(والله يدعو إلي دار السلام...يونس:25).
ترسيخ النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ التعايش السلمي

لما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أسس الدولة الإسلامية الجديدة علي أسس ثلاثة:
  • الأساس الأول : بناء المسجد،
  • الأساس الثاني: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛
  • الأساس الثالث: المعاهدات بين المسلمين وغيرهم.
فلماذا ركز النبي صلي الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاث مع أن في الإسلام أسساً غيرها كثيرة؟!!!
فهذه الأسس الثلاث هي أساسٌ للتعايش السلمي وربطٌ للصلة من جوانبها الثلاثة : فالمسجد ليربط صلة وعلاقة العبد بربه، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتربط علاقة المسلم بأخيه المسلم؛ والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم لتربط علاقة المسلم بغير المسلم.
أولا: كان الأساس الأول هو توثيق الصلة بالله تعالي، لأن أي مجتمع لا يكون متصلا بالله؛ لا يكتب له النصر ولا النجاح، ولأن الاتصال بالله يعزز أهل الحق وينصرهم نصر عزيز مقتدر وتمثل توثيق الصلة بالله ببناء المسجد النبوي الشريف الذي كان أول عمل قام به رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينة
ثانيا: وتمثل الأساس الثاني في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فقد آخي الرسول صلي الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وجعل منهم أخوة متحابين تعاونوا وتحابوا بروح الله فأصبحوا متعاونين علي البر والتقوى، وكان من ثمرة هذه المؤاخاة ما تميز به الأنصار من إيثار غيرهم علي أنفسهم، حتى في الطعام
ثالثا: وكان الأساس الثالث الذي أقام الرسول صلي الله عليه وسلم الدولة الإسلامية عليه هو تلك المعاهدة التي عاهد فيها المسلمين وغيرهم من اليهود والمشركين فشرط لهم وشرط عليهم وهي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان والتعايش السلمي .

اهمية السلام
تكمن أهمية السلام في تحقيق الغاية والهدف من وجود الانسان علي كوكب الارض، وهي:
  • العبادة، فلا يمكن لشخص أن يعبد الله تعالي مع وجود الحروب ، لذلك فهو بحاجة للسلام والامان من أجل اقامة شعائره
  • تماسك أفراد المجتمع معا وتطور المجتمع وبالتالي زيادة قوة الامة الاسلامية، فالنجاح في الاعمال والتقدم والتطور في جميع المجالات تحتاج السلام والامان
  • سير حياة الانسان بالشكل الصحيح، فيمكن له تنشيط العلاقات الاجتماعية مع الاخرين والتحرك بسهولة وبحرية من دون ترقب وتخوف، وبالتالي يستطيع القيام بأعماله واجراء الزيارات والشعور بالفرح والسرور في الحياة
  • حماية المجتمع من انتشار الفساد والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية ؛ فوجود الحروب يجعل الحياة كانها غابة يأكل القوي الضعيف ويستقوي عليه
فوائد السلام
  • من خلال السلام يمكن للانسان بث أفكاره، لهذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعلى الرغم من صعوبة شروط الكفار في صلح الحديبية - قبل بها في مقابل الابقاء علي الهدنة عشر سنوات بين المسلمين والكفار في مكة.
  • السلام يمكن الشعوب من التعلم واكتساب ونشر الثقافة، وبناء الحضارات، والنهوض بالدولة اقتصاديا واجتماعيا؛ فالبناء لايكون الا في اوقات السلم والامن.
  • السلام يجعل الناس على وعي كاف لخطر الدخول في الحروب والانشغال بها وبمطلوباتها وتأثيرها عليهم، والتي ستكلفهم حياتهم.
  • الحروب تقدم اسوأ ما في الانسان، وتقويه لصالح الشر ودمار البشرية، والسلام يقدم افضل ما بداخله.
  • السلام بيئة مشجعة للإبداع ووسائله؛ فهو الذي يحفز الناس علي الابداع وزيادة الجمال والانتاج، على عكس الحروب التي تنتج الدمار والخراب والفساد.
  • السلام ينقل الانسان الى آفاق سماوية روحانية عالية، اذ يشجع على انتشار الروحانيات والسكينة ويشيعها بين الشعوب.
  • السلام يقرب بين الناس ويجمعهم علي المحبة والتعايش، والحروب تفرقهم وتقطع نسلهم وتبيدهم.
  • السلام يرفع الانسانية الى مستوى الوجود الاجتماعي المتحضر في حين تقود الحروب الشعوب نحو الانزلاق صوب الهمجية.
آثار السلام
إن السلام مهم للكائنات الحية كلها على وجه الارض، ولا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحده؛ فتتضرر الحيوانات وتفقد مساكنها وبيئاتها، وتحرق الأشجار والغطاء النباتي، كما تفنى الموارد، وتنقسم آثار الحروب على البيئة الي قسمين:
  • آثار مباشرة: كالتلوث البيئي الناجم عن من القصف لمواقع صناعية، والتدمير المتعمد للموارد الطبيعية، والمخلفات العسكرية وحطام البني التحتية المستهدفة.
  • آثار غير مباشرة: كالآثار البيئية التي يتركها النازحون خلفهم من خراب وملوثات، وانهيار المنظومة الإدارية المخططة للحفاظ على البيئة، وانشغال الناس والحكومات بعد الحروب بالإيواء والإطعام والاعمار، فيذهب التمويل كله لهذه الغايات، وينعدم التمويل لحماية البيئة.
خاتمة
ان تحقيق السلام الذي نتوق اليه يتطلب تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم الاجتماعي الواقع على الانسان ونبذ الصراعات الطائفية والقبلية، ونبذ العنف والتعصب بكل أنواعه. ومن أجل ذلك لابد من تربية النشئ على السلام والاحترام المتبادل والمحبة لكل الناس ، وعلي الدولة أن تشجع على ترسيخ لغة الحوار بين الثقافات والديانات، وعلى المؤسسات الدولية أن تساعد الشعوب في القضاء على الحروب والدمار.







بسم الله الرحمن الرحيم
السودان بين جدلية الهوية والجغرافيا
ورقة من إعداد: الدكتور محمد عبدالله عيساوي
مقدمة :-
تشكل أزمة الهوية أحد المشاكل التي عانت منها وما زالت تعاني منها الدولة السودانية ، حيث ان هناك جزء كبيرا من العرب ينظرون إلي هوية السودان(هوية عربية) وبنفس القدر فهناك من غير العرب ممن يعتبرون هوية السودان (هوية أفريقانية).
وقد ظهرت قضية الهوية في السودان قضية فكرية سياسية منذ محاولات ( سليمان كشة وعلي عبد اللطيف) ، ثم أخذت بعد ذلك بعداً أدبياً يظهر في محاولات ( حمزة الملك طمبل) ، واستمرت المسألة حتي الستينيات حيث ظهر جيل أكثر حداثة يفترض خيارات لهوية السودان ، فمنهم من قال بعروبة الشعب السوداني ، ومنهم من قال بأفريقانيته ، ومنهم من ذهب إلي التوفبق بين الأثنين ليصل إلي ما عرف بمدرسة( الغابة والصحراء أو الآفروعروبية) .
المبحث الأول:الهوية تعريفها ومفهومها وخلفيتها التاريخية
تعريفها :-
تعرّف الهوية بأنها الصفة التي يتمايز بها الأفراد والجماعات عن بعضهم البعض وتحدد بها حالاتهم ، فهي علي الصعيد الفردي تعني ( التمايز) ، أما علي الصعيد الجماعي فتعني ( التمايز والتماثل) في آن واحد ، أي تماثل أفراد جماعة ما مع بعضهم البعض ، وتمايزها عن الجماعات الأخري.
مفهومها :-
تحدد الهوية الوطنية في مفهومها العام بأنها : حالة سياسية ادارية خالصة تقوم علي الاتفاق ، وعن وعي تام ، بين سكان إقليم معين علي العيش معاً في مجتمع سياسي واحد هو الدولة . ويتضمن مثل هذا الاتفاق شروط الاجماع علي القضايا الأساسية التي تمس صميم هذا المجتمع السياسي ، وفي مقدمتها قضية السيادة.... فالهوية الوطنية هي نتاج اتفاق تام ، بغض النظر عن الأصول والثقافات ، فهي الانتماء إلي الجماعة بوعي تام بغض النظر عن اللغة المشتركة أو التاريخ المشترك أو المصير المشترك أو حكم الذات طويل الأمد .
خلفية تاريخية : -
تسكن السودان برقعته الجغرافية وحدوده السياسية المعروفة مجموعات مختلفة ومتنوعة ومتعددة عرقياً وثقافياً وإثنياً ومتفاوتة تاريخياً من زاوية التطور ومتوزعة في أرجائه وانحائه المختلفة ، حيث ما زال جزء من هذه القبائل يعيش في بيئاته الطبيعية بطريقته الخاصة عبر قيمه وعاداته ولغاته وعقائده . وقد تطورت بعض الكيانات النيلية وأسست لها نظماً حضارية متقدمة مثل دولة مروي في شمال السودان ، وعلي هذا الأساس كان مفهوم الدولة جزءً من ثقافة تلك الكيانات ، وهذا هو أحد وجوه التفاوت التاريخي لهذه الكيانات مقارنة بالأخري التي لم تصل الي مرحلة الدولة في تطورها .
المبحث الثاني : مستويات ومذاهب الهوية :-
إن مشكلة الهوية لها مستويان : مستوي اجتماعي موضوعي يتمثل في وحدات التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع المعين ( أسرة ، عشيرة ، قبيلة ، شعب ) .... ومستوي فردي ذاتي يتمثل في علاقات انتماء الفرد إلي تلك الوحدات ( انتماء أسري ، عشائري ، قبلي ، شعوبي ....) ، كما أنها مرتبطة بمشاكل ( سياسية إقتصادية ، قانونية ....) .
فالذي يهمنا هنا هو مستوي علاقات انتماء الفرد إلي وحدات التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع السوداني ، وعلاقتها بمشكلة الوحدة والتعدد كقضية فلسفية لها تطبيقاتها الثقافية ، السياسية ، الاقتصادية ....) ، بمعني هل نقول بوحدة مطلقة تلغي أي شكل من أشكال التعدد ، أم نقول بتعدد مطلق يلغي أي شكل من أشكال الوحدة ، أم نجمع بين الوحدة والتعدد ونقول بوحدة نسبية وتعدد نسبي . وننطلق في ذلك من مسلمة هي تعدد علاقات انتماء الشخصية السودانية ، حيث أن هناك ثلاث مذاهب في تحديد طبيعة العلاقة بينها هي : -
أولاً : هناك مذهب الوحدة المطلقة : ويتمثل في العديد من التيارات التي تري أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة هذه هي علاقة تناقض ، وبالتالي فإن استنادها إلي علاقة الانتماء المعينة يقتضي الغاء علاقات الانتماء الأخري .... وترتبط هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية بوحدة مطلقة في المجال السياسي والاقتصادي والقانوني ... مضمونها وجوب انفراد جماعات قبلية سودانية معينة بالسلطة والثروة دون باقي الجماعات . فمن هذا المذهب مذهب مذهب العصبية القبلية العربية الذي يري أن العرب الحاليين في السودان وغيره هم سلالة عرقية لعرب الجاهلية . ووجه الخطأ في هذا المذهب لايكمن في اقراره بوجود جماعات قبلية سودانية يمكن اعتبارها سلالة عرقية لعرب الجاهلية ، ولكن يكمن في فهم العروبة علي أساس عرقي لا لغوي حضاري . فهو يتجاهل التطور خلال الزمان ويرتب علي هذا انكاره لحقيقة اختلاط أغلب الجماعات القبلية ذات الأصول العربية بالجماعات القبلية الشعوبية السودانية ذات الأصول غير العربية .
ومن مذاهب الوحدة المطلقة أيضاً مذهب الشعوبية النوبية الذي يري أن تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضي الغاء علاقات الانتماء الأخري ، والاقتصار علي القبائل ذات