السبت، 1 فبراير 2020


بسم الله الرحمن الرحيم
السودان بين جدلية الهوية والجغرافيا
ورقة من إعداد: الدكتور محمد عبدالله عيساوي
مقدمة :-
تشكل أزمة الهوية أحد المشاكل التي عانت منها وما زالت تعاني منها الدولة السودانية ، حيث ان هناك جزء كبيرا من العرب ينظرون إلي هوية السودان(هوية عربية) وبنفس القدر فهناك من غير العرب ممن يعتبرون هوية السودان (هوية أفريقانية).
وقد ظهرت قضية الهوية في السودان قضية فكرية سياسية منذ محاولات ( سليمان كشة وعلي عبد اللطيف) ، ثم أخذت بعد ذلك بعداً أدبياً يظهر في محاولات ( حمزة الملك طمبل) ، واستمرت المسألة حتي الستينيات حيث ظهر جيل أكثر حداثة يفترض خيارات لهوية السودان ، فمنهم من قال بعروبة الشعب السوداني ، ومنهم من قال بأفريقانيته ، ومنهم من ذهب إلي التوفبق بين الأثنين ليصل إلي ما عرف بمدرسة( الغابة والصحراء أو الآفروعروبية) .
المبحث الأول:الهوية تعريفها ومفهومها وخلفيتها التاريخية
تعريفها :-
تعرّف الهوية بأنها الصفة التي يتمايز بها الأفراد والجماعات عن بعضهم البعض وتحدد بها حالاتهم ، فهي علي الصعيد الفردي تعني ( التمايز) ، أما علي الصعيد الجماعي فتعني ( التمايز والتماثل) في آن واحد ، أي تماثل أفراد جماعة ما مع بعضهم البعض ، وتمايزها عن الجماعات الأخري.
مفهومها :-
تحدد الهوية الوطنية في مفهومها العام بأنها : حالة سياسية ادارية خالصة تقوم علي الاتفاق ، وعن وعي تام ، بين سكان إقليم معين علي العيش معاً في مجتمع سياسي واحد هو الدولة . ويتضمن مثل هذا الاتفاق شروط الاجماع علي القضايا الأساسية التي تمس صميم هذا المجتمع السياسي ، وفي مقدمتها قضية السيادة.... فالهوية الوطنية هي نتاج اتفاق تام ، بغض النظر عن الأصول والثقافات ، فهي الانتماء إلي الجماعة بوعي تام بغض النظر عن اللغة المشتركة أو التاريخ المشترك أو المصير المشترك أو حكم الذات طويل الأمد .
خلفية تاريخية : -
تسكن السودان برقعته الجغرافية وحدوده السياسية المعروفة مجموعات مختلفة ومتنوعة ومتعددة عرقياً وثقافياً وإثنياً ومتفاوتة تاريخياً من زاوية التطور ومتوزعة في أرجائه وانحائه المختلفة ، حيث ما زال جزء من هذه القبائل يعيش في بيئاته الطبيعية بطريقته الخاصة عبر قيمه وعاداته ولغاته وعقائده . وقد تطورت بعض الكيانات النيلية وأسست لها نظماً حضارية متقدمة مثل دولة مروي في شمال السودان ، وعلي هذا الأساس كان مفهوم الدولة جزءً من ثقافة تلك الكيانات ، وهذا هو أحد وجوه التفاوت التاريخي لهذه الكيانات مقارنة بالأخري التي لم تصل الي مرحلة الدولة في تطورها .
المبحث الثاني : مستويات ومذاهب الهوية :-
إن مشكلة الهوية لها مستويان : مستوي اجتماعي موضوعي يتمثل في وحدات التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع المعين ( أسرة ، عشيرة ، قبيلة ، شعب ) .... ومستوي فردي ذاتي يتمثل في علاقات انتماء الفرد إلي تلك الوحدات ( انتماء أسري ، عشائري ، قبلي ، شعوبي ....) ، كما أنها مرتبطة بمشاكل ( سياسية إقتصادية ، قانونية ....) .
فالذي يهمنا هنا هو مستوي علاقات انتماء الفرد إلي وحدات التكوين الاجتماعي التي تميز المجتمع السوداني ، وعلاقتها بمشكلة الوحدة والتعدد كقضية فلسفية لها تطبيقاتها الثقافية ، السياسية ، الاقتصادية ....) ، بمعني هل نقول بوحدة مطلقة تلغي أي شكل من أشكال التعدد ، أم نقول بتعدد مطلق يلغي أي شكل من أشكال الوحدة ، أم نجمع بين الوحدة والتعدد ونقول بوحدة نسبية وتعدد نسبي . وننطلق في ذلك من مسلمة هي تعدد علاقات انتماء الشخصية السودانية ، حيث أن هناك ثلاث مذاهب في تحديد طبيعة العلاقة بينها هي : -
أولاً : هناك مذهب الوحدة المطلقة : ويتمثل في العديد من التيارات التي تري أن العلاقة بين علاقات الانتماء المتعددة هذه هي علاقة تناقض ، وبالتالي فإن استنادها إلي علاقة الانتماء المعينة يقتضي الغاء علاقات الانتماء الأخري .... وترتبط هذه الوحدة المطلقة في مجال الهوية بوحدة مطلقة في المجال السياسي والاقتصادي والقانوني ... مضمونها وجوب انفراد جماعات قبلية سودانية معينة بالسلطة والثروة دون باقي الجماعات . فمن هذا المذهب مذهب مذهب العصبية القبلية العربية الذي يري أن العرب الحاليين في السودان وغيره هم سلالة عرقية لعرب الجاهلية . ووجه الخطأ في هذا المذهب لايكمن في اقراره بوجود جماعات قبلية سودانية يمكن اعتبارها سلالة عرقية لعرب الجاهلية ، ولكن يكمن في فهم العروبة علي أساس عرقي لا لغوي حضاري . فهو يتجاهل التطور خلال الزمان ويرتب علي هذا انكاره لحقيقة اختلاط أغلب الجماعات القبلية ذات الأصول العربية بالجماعات القبلية الشعوبية السودانية ذات الأصول غير العربية .
ومن مذاهب الوحدة المطلقة أيضاً مذهب الشعوبية النوبية الذي يري أن تقرير علاقة الانتماء النوبية يقتضي الغاء علاقات الانتماء الأخري ، والاقتصار علي القبائل ذات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق