السبت، 1 فبراير 2020


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام: رؤية تأصيلية
ورقة من إعداد:
دكتور محمد عبدالله عيساوي
توطئة
السلام امنية غالبة ورغبة اكيدة تتطلع اليها البشرية في تلهف وشوق، ولا يدرك قيمة السلم الحقيقية الا من عاش الحرب واصطلى بنارها، وراى وسائل الدمار والخراب، وهي تنشر الرعب بين الابرياء، وتهدم المنشآت وتهلك الحرث والنسل.
السلام في الاسلام: مفاهيم وتعريفات
اعتاد الناس حين يكتبون عن الفقه المتعلق بالعلاقة مع الغير في حالتي السلم والحرب أن يقولوا فقه الحرب والسلام، بتقديم الحرب على السلام، والضبط الشرعي أن يقدم السلم على الحرب، ذلك أن حكمة الاسلام في هذا الأمر قائمة علي تقديم السلام على الحرب، لأن السلام أصل، والحرب استثناء، والسلام أمر كلي، والحرب فرع جزئي، والسلام حياة، والحرب موت.
ودبن الاسلام الذي بنشد السلام ويؤمن به ويحض عليه وينادي بتعميمه، لا يؤمن ايمان من يتحدث عنه وبردده للتمويه وذرالرماد في الاعين، بل هوعنده عنوان وشعار يردده المسلمون في العبادة وفي التحية وفي كل آن وفي كل مكان.
وجاءت شريعة الاسلام عدلاً وسطاً في قضية السلام والحرب، جامعة بين الأمرين، بأحسن تشريع، وأشرف بيان، فجعلت السلام أصل المعاملة بين المسلمين وغيرهم، وجعلت الحرب صدّاً للعدوان وحفظا للأديان والأبدان والأنساب والأموال، ويدل علي ذلك عدة أمور:
  • أعظمها أن الدين هو الاسلام، وبينه وبين السلام جذر واحد من حيث اللغة والمعنى، بل إن الله عبر في القرآن عن الإسلام بالسلم فقال تعالى:(ياأيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة...البقرة 208)
  • وسمى سبيله اي دينه سبل السلام، فقال تعالي:(يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام...المائدة 16).
  • كما أن الله تعالى جل في علاه تسمى باسم السلام، كما في قوله تعالى:( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن ...الحشر:23).
  • وقد ورد في السنة:(اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام
  • وسمي الله تعالى دار خلوده وجنته التي أعدها لعباده الصالحين، بدار السلام، فقال تعالى:(لهم دار السلام عند ربهم...الأنعام:127)، وقوله:(والله يدعو إلي دار السلام...يونس:25).
ترسيخ النبي صلى الله عليه وسلم مبدأ التعايش السلمي

لما هاجر النبي صلي الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة أسس الدولة الإسلامية الجديدة علي أسس ثلاثة:
  • الأساس الأول : بناء المسجد،
  • الأساس الثاني: المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار؛
  • الأساس الثالث: المعاهدات بين المسلمين وغيرهم.
فلماذا ركز النبي صلي الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاث مع أن في الإسلام أسساً غيرها كثيرة؟!!!
فهذه الأسس الثلاث هي أساسٌ للتعايش السلمي وربطٌ للصلة من جوانبها الثلاثة : فالمسجد ليربط صلة وعلاقة العبد بربه، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتربط علاقة المسلم بأخيه المسلم؛ والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم لتربط علاقة المسلم بغير المسلم.
أولا: كان الأساس الأول هو توثيق الصلة بالله تعالي، لأن أي مجتمع لا يكون متصلا بالله؛ لا يكتب له النصر ولا النجاح، ولأن الاتصال بالله يعزز أهل الحق وينصرهم نصر عزيز مقتدر وتمثل توثيق الصلة بالله ببناء المسجد النبوي الشريف الذي كان أول عمل قام به رسول الله صلي الله عليه وسلم في المدينة
ثانيا: وتمثل الأساس الثاني في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، فقد آخي الرسول صلي الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، وجعل منهم أخوة متحابين تعاونوا وتحابوا بروح الله فأصبحوا متعاونين علي البر والتقوى، وكان من ثمرة هذه المؤاخاة ما تميز به الأنصار من إيثار غيرهم علي أنفسهم، حتى في الطعام
ثالثا: وكان الأساس الثالث الذي أقام الرسول صلي الله عليه وسلم الدولة الإسلامية عليه هو تلك المعاهدة التي عاهد فيها المسلمين وغيرهم من اليهود والمشركين فشرط لهم وشرط عليهم وهي تعتبر أول وثيقة عرفتها البشرية لحقوق الإنسان والتعايش السلمي .

اهمية السلام
تكمن أهمية السلام في تحقيق الغاية والهدف من وجود الانسان علي كوكب الارض، وهي:
  • العبادة، فلا يمكن لشخص أن يعبد الله تعالي مع وجود الحروب ، لذلك فهو بحاجة للسلام والامان من أجل اقامة شعائره
  • تماسك أفراد المجتمع معا وتطور المجتمع وبالتالي زيادة قوة الامة الاسلامية، فالنجاح في الاعمال والتقدم والتطور في جميع المجالات تحتاج السلام والامان
  • سير حياة الانسان بالشكل الصحيح، فيمكن له تنشيط العلاقات الاجتماعية مع الاخرين والتحرك بسهولة وبحرية من دون ترقب وتخوف، وبالتالي يستطيع القيام بأعماله واجراء الزيارات والشعور بالفرح والسرور في الحياة
  • حماية المجتمع من انتشار الفساد والمشاكل الاجتماعية والاقتصادية ؛ فوجود الحروب يجعل الحياة كانها غابة يأكل القوي الضعيف ويستقوي عليه
فوائد السلام
  • من خلال السلام يمكن للانسان بث أفكاره، لهذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم- وعلى الرغم من صعوبة شروط الكفار في صلح الحديبية - قبل بها في مقابل الابقاء علي الهدنة عشر سنوات بين المسلمين والكفار في مكة.
  • السلام يمكن الشعوب من التعلم واكتساب ونشر الثقافة، وبناء الحضارات، والنهوض بالدولة اقتصاديا واجتماعيا؛ فالبناء لايكون الا في اوقات السلم والامن.
  • السلام يجعل الناس على وعي كاف لخطر الدخول في الحروب والانشغال بها وبمطلوباتها وتأثيرها عليهم، والتي ستكلفهم حياتهم.
  • الحروب تقدم اسوأ ما في الانسان، وتقويه لصالح الشر ودمار البشرية، والسلام يقدم افضل ما بداخله.
  • السلام بيئة مشجعة للإبداع ووسائله؛ فهو الذي يحفز الناس علي الابداع وزيادة الجمال والانتاج، على عكس الحروب التي تنتج الدمار والخراب والفساد.
  • السلام ينقل الانسان الى آفاق سماوية روحانية عالية، اذ يشجع على انتشار الروحانيات والسكينة ويشيعها بين الشعوب.
  • السلام يقرب بين الناس ويجمعهم علي المحبة والتعايش، والحروب تفرقهم وتقطع نسلهم وتبيدهم.
  • السلام يرفع الانسانية الى مستوى الوجود الاجتماعي المتحضر في حين تقود الحروب الشعوب نحو الانزلاق صوب الهمجية.
آثار السلام
إن السلام مهم للكائنات الحية كلها على وجه الارض، ولا يقتصر تأثيرها على الإنسان وحده؛ فتتضرر الحيوانات وتفقد مساكنها وبيئاتها، وتحرق الأشجار والغطاء النباتي، كما تفنى الموارد، وتنقسم آثار الحروب على البيئة الي قسمين:
  • آثار مباشرة: كالتلوث البيئي الناجم عن من القصف لمواقع صناعية، والتدمير المتعمد للموارد الطبيعية، والمخلفات العسكرية وحطام البني التحتية المستهدفة.
  • آثار غير مباشرة: كالآثار البيئية التي يتركها النازحون خلفهم من خراب وملوثات، وانهيار المنظومة الإدارية المخططة للحفاظ على البيئة، وانشغال الناس والحكومات بعد الحروب بالإيواء والإطعام والاعمار، فيذهب التمويل كله لهذه الغايات، وينعدم التمويل لحماية البيئة.
خاتمة
ان تحقيق السلام الذي نتوق اليه يتطلب تحقيق العدالة الاجتماعية ورفع الظلم الاجتماعي الواقع على الانسان ونبذ الصراعات الطائفية والقبلية، ونبذ العنف والتعصب بكل أنواعه. ومن أجل ذلك لابد من تربية النشئ على السلام والاحترام المتبادل والمحبة لكل الناس ، وعلي الدولة أن تشجع على ترسيخ لغة الحوار بين الثقافات والديانات، وعلى المؤسسات الدولية أن تساعد الشعوب في القضاء على الحروب والدمار.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق